م الله الرحمان الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد:
فقد اختلف العلماء قديماً، وحديثا في حكم النقاب على قولين:
الأول: يجب على المرأة ستر وجهها أمام الرجال الأجانب؛ لأن الوجه عورة، وهو مذهب الإمام أحمد، والصحيح من مذهب الشافعي.
االثاني: استحباب النقاب، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك، لكن أفتى علماء الحنفية والمالكية - منذ زمن بعيد - أنه يجب على المرأة ستر وجهها عند خوف الفتنة بها أو عليها، والمراد بالفتنة بها: أن تكون المرأة ذات جمال، والمراد بخوف الفتنة عليها أن يفسد الزمان، بكثرة الفساد وانتشار الفساق؛ قال "ابن عابدين الحنفي" في (رد المحتار على الدر المختار): "وتمنع المرأة الشابة من كشف الوجه بين رجال، لا لأنه عورة، بل لخوف الفتنة كمسه وإن أمن الشهوة لأنه أغلظ"، والمعنى تمنع من الكشف لخوف أن يرى الرجال وجهها؛ فتقع الفتنة؛ لأنه مع الكشف قد يقع النظر إليها بشهوة.
وقال "الحطَّاب المالكي" في (مواهب الجليل شرح مختصر خليل): "واعلم أنه إن خشي من المرأة الفتنة يجب عليها ستر الوجه والكفين؛ قاله "القاضي عبد الوهاب"، ونقله عنه "الشيخ أحمد زروق" في شرح الرسالة، وهو ظاهر التوضيح، هذا ما يجب عليها"، وقال في (منح الجليل): "وإن علِمَت أو ظَنَّت الافتتان بكشف وجهها، وجب عليها ستره لصيرورته عورة حينئذ، فلا يقال كيف تترك الواجب، وهو كشف وجهها - يعني في الحج - وتفعل المحرم وهو ستره لأجل أمر لا يطلب منها، إذ وجهها ليس عورة على أنها متى قصدت الستر عن الرجال فلا يحرم ولا يجب الكشف كما يفيده الاستثناء ونصها ووسع لها مالك رضي الله عنه أن تسدل رداءها من فوق رأسها على وجهها إذا أرادت ستراً، فإن لم ترد ستراً، فلا تسدل".
فالمُفتَى به الآن على المعتَبَر من المذاهب الأربعة، هو وجوب تغطية الوجه.
وأما الأدلة على وجوب النقاب:
فمنها: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} [الأحزاب:59]، وقد قرر أكثر المفسرين أن معنى الآية: الأمر بتغطية الوجه، فإن الجلباب هو ما يوضع على الرأس، فإذا أُدنِي ستر الوجه، وقيل: الجلباب ما يستر جميع البدن، وهو ما صححه الإمام القرطبي، وأما قوله تعالى: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور:31]، فأظهر الأقوال في تفسيره: أن المراد ظاهر الثياب، كما هو قول ابن مسعود رضي الله عنه وهو رواية عن ابن عباس، أو معناه: ما ظهر منها بلا قصد، كأن ينكشف شيء من جسدها بفعل ريح أو نحو ذلك.
وأيضا الزينة في لغة العرب ما تتزين به المرأة، مما هو خارج عن أصل خلقتها، كالحلي والثياب، فتفسير الزينة ببعض بدن المرأة كالوجه والكفين؛ خلاف الظاهر.
ومنها: قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب:53]، فهذه الطهارة ليست خاصة بأمهات المؤمنين، بل يحتاج إليها عامة نساء المؤمنين، بل سائر النساء أولى بالحكم من أمهات المؤمنين الطاهرات المبرءات.
ومنها: قوله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور:31]. وقد (روى البخاري) عن عائشة رضي الله عنها قالت: "لما أنزلت هذه الآية أخذن أزرهن فشققنها من قبل الحواشى فاختمرن بها" قال الحافظ ابن حجر (فاختمرن): أي غطين وجوههن.
ومنها: ما (روى الترمذي وغيره) من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان"، وهذا دليل على أن جميع بدن المرأة عورة بالنسبة للنظر.
ومنها: ما (رواه البخاري وغيره) عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين"؛ قال الإمام أبوبكر بن العربي: "وذلك لأن سترها وجهها بالبرقع فرض إلا في الحج، فإنها ترخي شيئاً من خمارها على وجهها، غير لاصق به، وتعرض عن الرجال ويعرضون عنها".
فإذا تقرر هذا؛ فالذي نراه لك هو وجوب تغطية الوجه، على المعتبر من المذاهب الأربعة؛ لكثرة الفساد وانتشار الفساق، وتلصصهم على النساء وما شابه.
ولتعلمي أن النساء على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كن منتقبات؛ ومن أجله نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن لبس النقاب عند الإحرام، إذا لو لم يكن معروفاً لما نهاهم عنه؛ ومن ثَمَّ كان النساء يسدلن أثوابهن على وجوههن بدلاً عن النقاب، قالت عائشة رضي الله عنها: "كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات؛ فإذا حاذونا، سدلت إحدانا جلبابها من رأسها إلى وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه".
و(روى مالك) عن فاطمة بنت المنذر، أنها قالت: "كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات، ونحن مع أسماء بنت أبي بكر الصديق، رضي الله عنهما".
وأما حديث حجة الوداع المشار إليه؛ فهو في (الصحيحين) عن عبد الله بن عباس قال: "قال كان الفضل رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت امرأة من خثعم وضيئة، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، وجعل النبى صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر"؛ ففيه: أن النبي أنكر على الفضل باليد فلوى عنقه ولم يتركه كما ذكر في السؤال.
وهذا الحديث قضية عين ولا يعم جميع الحالات، فهو يتعلق بمسألة جواز كشف المرأة لوجهها في الحج من عدمه، ولا يعم غير الحج، كطواف النساء مع الرجال لايجوز الاستدلال به على جواز اختلاط الرجال بالنساء فيما سوى ذلك.
ومع هذا فليس في الحديث دلالة على أن هذه المرأة كانت كاشفة لوجهها، ولكن فهم ذلك بعضهم من قوله: "وضيئة"، وفي بعض ألفاظ الحديث: "حسناء"، وأن الفضل كان ينظر إليها، مع أن الوضاءة والحسن يمكن أن تعرف وإن لم تكن المرأة كاشفة لوجهها كما هو معلوم من لغة العرب، والواقع الذي يعيشه الناس.
ومن المعلوم أن هذه المرأة كانت على بعير كما في بعض طرق الحديث، فلا يستبعد أن يكون انكشف منها شيء وهي على هذا المركب الصعب كما لايخفى، وعُلِم أنها وضيئة من انكشافه غير المقصود، الذي يجب معه على الفضل بن عباس أن يغض بصره، ولا يطلقه، ولهذا لوى النبي صلى الله عليه وسلم عنقه، ولعل مما يشير إلى هذا أن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه وهو والد الفضل لم يعلم بالذي حصل، فسأل فقال: يارسول الله، لم لويت عنق ابن عمك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "رأيت شابًّا وشابة فلم آمن الشيطان عليهما".
وهذا الحديث هو أقوى ما استدل به على عدم وجوب النقاب، ولكن لا يخفى أن الفتنة كانت مأمونة في زمانهم، بخلاف زماننا الذي كثر فيه الخبث؛ فتعين فيه النقاب على النساء، كما سبق عن أهل العلم، ومن المعلوم أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان،، والله أعلم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد:
فقد اختلف العلماء قديماً، وحديثا في حكم النقاب على قولين:
الأول: يجب على المرأة ستر وجهها أمام الرجال الأجانب؛ لأن الوجه عورة، وهو مذهب الإمام أحمد، والصحيح من مذهب الشافعي.
االثاني: استحباب النقاب، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك، لكن أفتى علماء الحنفية والمالكية - منذ زمن بعيد - أنه يجب على المرأة ستر وجهها عند خوف الفتنة بها أو عليها، والمراد بالفتنة بها: أن تكون المرأة ذات جمال، والمراد بخوف الفتنة عليها أن يفسد الزمان، بكثرة الفساد وانتشار الفساق؛ قال "ابن عابدين الحنفي" في (رد المحتار على الدر المختار): "وتمنع المرأة الشابة من كشف الوجه بين رجال، لا لأنه عورة، بل لخوف الفتنة كمسه وإن أمن الشهوة لأنه أغلظ"، والمعنى تمنع من الكشف لخوف أن يرى الرجال وجهها؛ فتقع الفتنة؛ لأنه مع الكشف قد يقع النظر إليها بشهوة.
وقال "الحطَّاب المالكي" في (مواهب الجليل شرح مختصر خليل): "واعلم أنه إن خشي من المرأة الفتنة يجب عليها ستر الوجه والكفين؛ قاله "القاضي عبد الوهاب"، ونقله عنه "الشيخ أحمد زروق" في شرح الرسالة، وهو ظاهر التوضيح، هذا ما يجب عليها"، وقال في (منح الجليل): "وإن علِمَت أو ظَنَّت الافتتان بكشف وجهها، وجب عليها ستره لصيرورته عورة حينئذ، فلا يقال كيف تترك الواجب، وهو كشف وجهها - يعني في الحج - وتفعل المحرم وهو ستره لأجل أمر لا يطلب منها، إذ وجهها ليس عورة على أنها متى قصدت الستر عن الرجال فلا يحرم ولا يجب الكشف كما يفيده الاستثناء ونصها ووسع لها مالك رضي الله عنه أن تسدل رداءها من فوق رأسها على وجهها إذا أرادت ستراً، فإن لم ترد ستراً، فلا تسدل".
فالمُفتَى به الآن على المعتَبَر من المذاهب الأربعة، هو وجوب تغطية الوجه.
وأما الأدلة على وجوب النقاب:
فمنها: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} [الأحزاب:59]، وقد قرر أكثر المفسرين أن معنى الآية: الأمر بتغطية الوجه، فإن الجلباب هو ما يوضع على الرأس، فإذا أُدنِي ستر الوجه، وقيل: الجلباب ما يستر جميع البدن، وهو ما صححه الإمام القرطبي، وأما قوله تعالى: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور:31]، فأظهر الأقوال في تفسيره: أن المراد ظاهر الثياب، كما هو قول ابن مسعود رضي الله عنه وهو رواية عن ابن عباس، أو معناه: ما ظهر منها بلا قصد، كأن ينكشف شيء من جسدها بفعل ريح أو نحو ذلك.
وأيضا الزينة في لغة العرب ما تتزين به المرأة، مما هو خارج عن أصل خلقتها، كالحلي والثياب، فتفسير الزينة ببعض بدن المرأة كالوجه والكفين؛ خلاف الظاهر.
ومنها: قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب:53]، فهذه الطهارة ليست خاصة بأمهات المؤمنين، بل يحتاج إليها عامة نساء المؤمنين، بل سائر النساء أولى بالحكم من أمهات المؤمنين الطاهرات المبرءات.
ومنها: قوله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور:31]. وقد (روى البخاري) عن عائشة رضي الله عنها قالت: "لما أنزلت هذه الآية أخذن أزرهن فشققنها من قبل الحواشى فاختمرن بها" قال الحافظ ابن حجر (فاختمرن): أي غطين وجوههن.
ومنها: ما (روى الترمذي وغيره) من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان"، وهذا دليل على أن جميع بدن المرأة عورة بالنسبة للنظر.
ومنها: ما (رواه البخاري وغيره) عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين"؛ قال الإمام أبوبكر بن العربي: "وذلك لأن سترها وجهها بالبرقع فرض إلا في الحج، فإنها ترخي شيئاً من خمارها على وجهها، غير لاصق به، وتعرض عن الرجال ويعرضون عنها".
فإذا تقرر هذا؛ فالذي نراه لك هو وجوب تغطية الوجه، على المعتبر من المذاهب الأربعة؛ لكثرة الفساد وانتشار الفساق، وتلصصهم على النساء وما شابه.
ولتعلمي أن النساء على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كن منتقبات؛ ومن أجله نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن لبس النقاب عند الإحرام، إذا لو لم يكن معروفاً لما نهاهم عنه؛ ومن ثَمَّ كان النساء يسدلن أثوابهن على وجوههن بدلاً عن النقاب، قالت عائشة رضي الله عنها: "كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات؛ فإذا حاذونا، سدلت إحدانا جلبابها من رأسها إلى وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه".
و(روى مالك) عن فاطمة بنت المنذر، أنها قالت: "كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات، ونحن مع أسماء بنت أبي بكر الصديق، رضي الله عنهما".
وأما حديث حجة الوداع المشار إليه؛ فهو في (الصحيحين) عن عبد الله بن عباس قال: "قال كان الفضل رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت امرأة من خثعم وضيئة، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، وجعل النبى صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر"؛ ففيه: أن النبي أنكر على الفضل باليد فلوى عنقه ولم يتركه كما ذكر في السؤال.
وهذا الحديث قضية عين ولا يعم جميع الحالات، فهو يتعلق بمسألة جواز كشف المرأة لوجهها في الحج من عدمه، ولا يعم غير الحج، كطواف النساء مع الرجال لايجوز الاستدلال به على جواز اختلاط الرجال بالنساء فيما سوى ذلك.
ومع هذا فليس في الحديث دلالة على أن هذه المرأة كانت كاشفة لوجهها، ولكن فهم ذلك بعضهم من قوله: "وضيئة"، وفي بعض ألفاظ الحديث: "حسناء"، وأن الفضل كان ينظر إليها، مع أن الوضاءة والحسن يمكن أن تعرف وإن لم تكن المرأة كاشفة لوجهها كما هو معلوم من لغة العرب، والواقع الذي يعيشه الناس.
ومن المعلوم أن هذه المرأة كانت على بعير كما في بعض طرق الحديث، فلا يستبعد أن يكون انكشف منها شيء وهي على هذا المركب الصعب كما لايخفى، وعُلِم أنها وضيئة من انكشافه غير المقصود، الذي يجب معه على الفضل بن عباس أن يغض بصره، ولا يطلقه، ولهذا لوى النبي صلى الله عليه وسلم عنقه، ولعل مما يشير إلى هذا أن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه وهو والد الفضل لم يعلم بالذي حصل، فسأل فقال: يارسول الله، لم لويت عنق ابن عمك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "رأيت شابًّا وشابة فلم آمن الشيطان عليهما".
وهذا الحديث هو أقوى ما استدل به على عدم وجوب النقاب، ولكن لا يخفى أن الفتنة كانت مأمونة في زمانهم، بخلاف زماننا الذي كثر فيه الخبث؛ فتعين فيه النقاب على النساء، كما سبق عن أهل العلم، ومن المعلوم أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان،، والله أعلم.