ثورة المعتدي المدافع
... جد في مشيته بين الكثبان الرملية ، فجيش الظلام لم يعد عنه بعيدا . كان كلما لمح كثيبا أكثر ارتفاعا ، طاول ذروته حتى يمتطيها ومد بصره متطلعا للأفق ، واضعا يده السمراء في لون القمح على جبهته لتجنب أشعة الشمس، ماسحا مجال الرؤية ، باحثا عن أي متحرك....
لابد أن يصل سريعا قبل أن ينفذ حكم الله في الحاج إبراهيم . لابد أن يعلم بذلك ولده راعي الإبل ...
بدأت الشمس بالهروب من العملاق الأسود ، عندما تناهى لمسامعه رغاء حوار يطلب أمه . وطافت على أنفه رائحة دافئة لا يعرفها إلا ابن الصحراء . وسريعا تراءت له عدة هياكل سوداء متفاوتة الأحجام ، فأحس بالإرتياح رغم خدر رجليه وحرقة حلقه . صارت معالم الكائنات واضحة لعينيه ، فنادى راعيها . ولم تلتقط أذنه غير هدير جبار معلن عن انزعاج مصدره من تجاوز ضيفه للحدود . أحس رعشة خفيفة لعلمه أن فحل هذه الإبل بالذات معروف لدى الجميع بأوصاف لا يبغيها أي صحراوي في سيد النوق . خطر للخائف التراجع ، لكنه مكلف برسالة عليه تبليغها وفي أسرع وقت . أعاد النداء ، فصك أسماعه صوت أنقبضت له ضلوعه ، وكاد قلبه منه أن يتوقف . إنه بقبقة "هدارة" الكائن الغاضب ، التي تذكر بتدفق الحمم في رحم البركان، وهي نفير الحرب على الدخيل أيا كان ...
وسريعا ما لمح جلمودا أشقر يشق سبيله في سلاسة بين أمهات القطيع ، وتدافع الجميع مبتعدا عن طريق جبار إحمرت عيناه وامتدت رقبته الطويلة للأمام ، جارة خلفها ماردا رهيبا لا يتوقف ولا يستكين . كانت أخفافه تخبط الأرض في نعومة لا يتصف بها موطؤها . وكانت ذروته تتمايل للجانبين ، حتى يخيل لرائيها أنها تكاد تنحسر عن الظهر...
أدرك الزائر المرفوض أن الأنياب التي تصدر الصرير العنيف ليست سوى سلاح الموت الذي قد ينغرز في لحمه ويسحق عظامه في لحظة . فهرول في تعثر غير عارف وجهة ولا مقصدا إلا تجنب ذلك المعتدي المدافع ، الذي جعلته طاقته الفوارة ورغبته في اللحاق قادرا على الوصول بسرعة إلى الفار المرتاع . بحث المسكين في عقله وغريزته وتجاربه عن حل ، فلم يجد إلا حركات لا إرادية ، أثبتت عقمها بالتدريج ...
حانت منه التفاتة للوراء ليجد الموجة المدمرة خلفه مباشرة ، وهي تفارص الطرف الأقرب منه إليها لتنقض عليه . فالتوى وصاح ملوحا بيده عله يثني قاتله . لكن رمز الموت لا يتراجع ، ويجذب جناح الرداء الصوفي للهارب بفكيه القويين ، ويثبت ضحيته أمام ساقيه الأوليين ، ثم يخر في لمح البصر واضعاعلى الرجل المرتعب "كركرته" ، ذلك القص الذي احتك بالأرض منذ لحظة ميلاده ليزداد صلابة وموتا و قدرة على السحق . عزف الفحل بهدارته فحيح الموت و أعلن بزمجرته ترنيمة الانتصار ...
لبث الثائر برهة ، ثم قام موليا اهتمامه شطر رعيته المرتعبة .
ساد الصمت الصارخ في عروق سواد الليل ...
وصدرت من الأديم أنة خفيفة، لكنها بالتأكيد لم تكن رجع احتضار ، أو إعلانا لنهاية مخلوق ضعيف...
... جد في مشيته بين الكثبان الرملية ، فجيش الظلام لم يعد عنه بعيدا . كان كلما لمح كثيبا أكثر ارتفاعا ، طاول ذروته حتى يمتطيها ومد بصره متطلعا للأفق ، واضعا يده السمراء في لون القمح على جبهته لتجنب أشعة الشمس، ماسحا مجال الرؤية ، باحثا عن أي متحرك....
لابد أن يصل سريعا قبل أن ينفذ حكم الله في الحاج إبراهيم . لابد أن يعلم بذلك ولده راعي الإبل ...
بدأت الشمس بالهروب من العملاق الأسود ، عندما تناهى لمسامعه رغاء حوار يطلب أمه . وطافت على أنفه رائحة دافئة لا يعرفها إلا ابن الصحراء . وسريعا تراءت له عدة هياكل سوداء متفاوتة الأحجام ، فأحس بالإرتياح رغم خدر رجليه وحرقة حلقه . صارت معالم الكائنات واضحة لعينيه ، فنادى راعيها . ولم تلتقط أذنه غير هدير جبار معلن عن انزعاج مصدره من تجاوز ضيفه للحدود . أحس رعشة خفيفة لعلمه أن فحل هذه الإبل بالذات معروف لدى الجميع بأوصاف لا يبغيها أي صحراوي في سيد النوق . خطر للخائف التراجع ، لكنه مكلف برسالة عليه تبليغها وفي أسرع وقت . أعاد النداء ، فصك أسماعه صوت أنقبضت له ضلوعه ، وكاد قلبه منه أن يتوقف . إنه بقبقة "هدارة" الكائن الغاضب ، التي تذكر بتدفق الحمم في رحم البركان، وهي نفير الحرب على الدخيل أيا كان ...
وسريعا ما لمح جلمودا أشقر يشق سبيله في سلاسة بين أمهات القطيع ، وتدافع الجميع مبتعدا عن طريق جبار إحمرت عيناه وامتدت رقبته الطويلة للأمام ، جارة خلفها ماردا رهيبا لا يتوقف ولا يستكين . كانت أخفافه تخبط الأرض في نعومة لا يتصف بها موطؤها . وكانت ذروته تتمايل للجانبين ، حتى يخيل لرائيها أنها تكاد تنحسر عن الظهر...
أدرك الزائر المرفوض أن الأنياب التي تصدر الصرير العنيف ليست سوى سلاح الموت الذي قد ينغرز في لحمه ويسحق عظامه في لحظة . فهرول في تعثر غير عارف وجهة ولا مقصدا إلا تجنب ذلك المعتدي المدافع ، الذي جعلته طاقته الفوارة ورغبته في اللحاق قادرا على الوصول بسرعة إلى الفار المرتاع . بحث المسكين في عقله وغريزته وتجاربه عن حل ، فلم يجد إلا حركات لا إرادية ، أثبتت عقمها بالتدريج ...
حانت منه التفاتة للوراء ليجد الموجة المدمرة خلفه مباشرة ، وهي تفارص الطرف الأقرب منه إليها لتنقض عليه . فالتوى وصاح ملوحا بيده عله يثني قاتله . لكن رمز الموت لا يتراجع ، ويجذب جناح الرداء الصوفي للهارب بفكيه القويين ، ويثبت ضحيته أمام ساقيه الأوليين ، ثم يخر في لمح البصر واضعاعلى الرجل المرتعب "كركرته" ، ذلك القص الذي احتك بالأرض منذ لحظة ميلاده ليزداد صلابة وموتا و قدرة على السحق . عزف الفحل بهدارته فحيح الموت و أعلن بزمجرته ترنيمة الانتصار ...
لبث الثائر برهة ، ثم قام موليا اهتمامه شطر رعيته المرتعبة .
ساد الصمت الصارخ في عروق سواد الليل ...
وصدرت من الأديم أنة خفيفة، لكنها بالتأكيد لم تكن رجع احتضار ، أو إعلانا لنهاية مخلوق ضعيف...